سلسلة تناقش الشرعية باجمالها وموقع ال سعود منها وترد على الشبه التي تثار في الدفاع عنهم وتناقش كذلك مفهوم الفتنة والمصلحة

شبهات في الدفاع عن النظام

HTML clipboard
شبهات في الدفاع عن النظام 

نتناول هنا  الشبهات التي تستخدم من أزلام النظام لإحراج أو لتخويف القائلين بعدم شرعية النظام ،وهي قائمة من الشبه الواهية التي لا بد من دحضها حتى نستوفي لقضية الشرعية حقها ولأنه بقيت بعض الجيوب تشكك في هذه المسألة وتظن أنه بهذه الشبهات  تحرج الإصلاحيين حينما ينبهون الامة إلى حقيقة عدم شرعية النظام ،سوف نستعرض هذه الشبهات جملة ثم نتناولها بالتفصيل والرد واحدة تلو الأخرى وهي:
 

● الاستدلال بالنصوص المبتورة أو بحديث دون ذكر ما يخصصه أو ما يقيده
 

● التلاعب بقضية الخروج حتى تكون وسيلة لارهاب من يعارضون النظام
 

● الاحتجاج بسرية النصيحة والاعتماد على احاديث محل نظر إما في صحتها او في تفسيرها
 

● التلاعب باصطلاح الفتنة والمصلحة
 

● زعم اشتراط استحلال الكفر علناً لسقوط الشرعية فلايكفي للحاكم ان يمارس الكفر حتى تسقط شرعيته بل لابد من اعلان الاستحلال
 


 

الطريقة الصحيحة لبحث المسائل


الباحث المنصف يلزمه شرعاً النظر في النص كاملاً ،فلا يجوز أن يأخذ بعض آية أوحديث وإلا كان مثل الذي يحتج بقوله تعالى :(ولا تقربوا الصلاة) ، بل لابد من جمع النصوص والأدلة  التي وردت في الموضوع وأقوال العلماء مع الدقة والأمانة في نقولاته و النظر فيها جميعاً ،كذلك يلزمه النظر في القواعد الكلية والمقاصد العامة للشرع ، وقد كان علماء الإسلام مثالا في ذلك حتى في  الأمور الأقل شأنا من الحكم والسلطان خذ مثلا كلامهم في زكاة الحلي
 

هذه  هي  طريقة  العلماء في كل المسائل والفتاوى الفقهية، وليس من شأنهم ولا أدبهم  الاحتجاج بالنصوص المبتورة والمجتزأة ،لكن الذين يثيرون الشبهات يسلكون مسلكاً مختلفاً مثل محامي الشيطان ، فتجده يزور او يتغافل او يتلاعب بتفسير النصوص والأدلة مع المشاغبة والحيل. 
 

انظر إلى كلام الإمام الشهير الشاطبي مؤلف كتاب الموافقات وكتاب الاعتصام وهو يحذر من الغلط فكيف إذا كان متعمداً:  (… ومدار الغلط إنما هوعلى حرف واحد، وهو الجهل بمقاصد الشرع وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض، فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت ...)، وينبه إلى أن(… من اتباع المتشابهات الأخذ بالمطلقات قبل النظر في مقيداتها، وبالعمومات من غير تأمل هل لها مخصصات أم لا؟ وكذلك العكس بأن يكون النص مقيداً فيطلق، أو خاصاً فيعمّ بالرأي من غير دليل سواه، فإن هذه المسالك رمي في عماية واتباع الهوى في الدليل ...) ... الشاطبي، الاعتصام، 1/244-246.  وفي موضع آخر يفرق بين  (… فشأن الراسخين في العلم تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضاً كأعضاء الإنسان...) وبين (… وشأن متبعي المتشابهات أخذ دليل ما ـ أي دليل كان ـ عفواً أو أخذاً أولياً ، وإن كان ثمّ ما يعارضه من كلي أو جزئي، فكان العضو الواحد (أي الدليل الواحد) لا يعطي في مفهوم أحكام الشريعة حكماً حقيقياً فمتبعه متبع المتشابه، ولا يتبعه إلا من في قلبه زيغ ...)
 

ولذلك يجب علينا جميعاً أن نجمع ونستحضر ونتأمل النصوص الورادة في قضية الحاكم اذا اردنا ان نطبق مبدأ الاخذ الكلي للشريعة وتناول النصوص بشكل شمولي ومقارنة بعضها ببعض حتى ننتبه ان كان هناك تقييد او تخصيص اونسخ  لا أن نأخذ ما نهوى ونترك ما لا يعجبنا
 


 

النصوص الواردة في طاعة الحاكم:


يمكن تقسيم النصوص الواردة في هذا الموضوع إلى ثلاث مجموعات :
 

مجموعة أولى من النصوص ظاهرها وجوب الطاعة مطلقا ،ومجموعة ثانية وظاهرها سقوط الشرعية لوجود أي مخالفة، أما المجموعة الثالثة فهي التي تخصص وتقيد وتفسر ما سبقها، واتباعاً لمنهج العلماء سوف نستعرض  كل مجموعة على حدة ثم نجمع بينها
 


 

المجموعة الأولى: ومنها النصوص الأتية


● قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، (النساء، 59).
 

● ما روي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية”(رواه مسلم)
 

● والحديث المروي عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع”(4).
 


 

المجموعة الثانية : ومنها النصوص الأتية


● عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من نبيّ بعثه الله قبلي إلا كان له من أمّته حواريون وأصحاب يأخذون بسنّته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل”(رواه مسلم) قال ابن رجب الحنبلي: (… وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد) جامع العلوم والحكم 304
 

● ومنها الحديث المروي عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة، ويعملون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، قلت يا رسول الله: إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال: تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل؟ لا طاعة لمن عصى الله” رواه ابن ماجه، وأخرجه أحمد والطبراني، والبيهقي بألفاظ  متقاربة وصحح الحديث كلاً من أحمد شاكر والألباني
 

● وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سيكون أمراء من بعدي يأمرون بما تعرفون ويعملون ما تنكرون فليس أولئك عليكم بأئمة” اخرجه الطبراني بإسناد جيد
 


 

المجموعة الثالثة : ومنها النصوص الأتية


● عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه أنه قال: “بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان”، وفي رواية: “وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم” متفق عليه.
 

● والحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله” رواه البخاري
 

● ومنها حديث أم الحصين الأحمسية رضي الله تعالى عنها قالت: “حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع .. إلى أن قالت: ثم سمعته يقول: إن أُمّر عليكم عبد مجدع ـ حسبتها قالت أسود ـ يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا” رواه مسلم والترمذي والنسائي
 

● وفي رواية الترمذي والنسائي سمعته يقول: “يا أيها الناس اتقوا الله وإن أُمّر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله”،
 

● والحديث المروي عن عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين يبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم. قال: قلنا يا رسول الله: أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة ... الحديث” رواه مسلم والمعنى هو اقامة الدين وليس اقامة الصلاة فقط.
 


 

بيان الحق في آية طاعة ولي الأمر


لا بد من التنبيه إلى أن  الآية تقول أولي الأمر وليس ولي الأمر ، والفرق بين المفرد والجمع واضح ، ولكن لغاية تم اغفاله ، ثم أولو الأمر هم الحكام والعلماء ، وهي مقيدة بالإيمان فقد قال تعالى : أولي الأمر منكم ”من الذين آمنوا“ ثم  قيدت بالآية التي تليها: عن  أبي حازم أن سليمان بن عبدالملك قال له: ألستم أمرتم بطاعتنا في قوله "وأولي الأمر منكم" قال أبو حازم: (أليس قد نزعت منكم إذ خالفتم الحق بقوله: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" )
 

ونضيف إليها القواعد الكلية في فهم الآية وهي أنه قد أجمع المسلمون أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما أجمعوا على أن لا طاعة للحاكم الكافر.
 


 

بيان الحق في الأحاديث التي يحتجون بها


أما من يثير الشبهات بالاستدلال بالأحاديث فإنه يحتج بالمجموعة الثالثة من الأحاديث بشكل مبتور فتراهم يستدلون بحديث عبادة ويتوقفون عند قوله “وألا ننازع الأمر أهله”، “إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان”، ومن المقطوع به أن تبديل الشرائع وسن القوانين المضاهية لشرع الله ومظاهرة المشركين على المسلمين واستحلال الحرام وتحريم الحلال هو من الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان، ويزعمون  اشتراط استحلال الكفر علناً وهو ما لا دليل عليه
 

وأما حديث أنس وحديث أم الحصين فقد ورد فيه الاستثناء الصريح بقوله صلى الله عليه وسلم: “ما أقاموا فيكم كتاب الله”، وإقامة كتاب الله تعني كل ما تقدم من الحكم بما أنزل الله ورفع شعائر الإسلام والتمكين لدين الله وهذا هو شرط القبول بالإمامة،  وهذا الشرط غير متحقق
 

وأما حديث عوف بن مالك فقد ورد فيه الاستثناء بقوله صلى الله عليه وسلم “ما أقاموا فيكم الصلاة”، وإذا أُعملت الأدلة مع بعضها البعض يتبين أن المقصود بقوله “ما أقاموا فيكم الصلاة” يعني ما أقاموا فيكم الدين لأن الصلاة عمود الدين، ولأن الأحاديث الأخرى تفسر ذلك الحديث، وهو الأليق بكلام سيد الفصحاء صلى الله عليه وعلى آله  وصحبه وسلم من مثل قوله: “الحج عرفة”، مع علمنا بالاضطرار من دين الإسلام ببطلان حج من حضر عرفة ثم انصرف من غير أداء بقية الأركان كطواف الإفاضة مثلاً.
 

فيكون المعنى الأجمالي للحديث وجوب الطاعة لأولياء الأمر بمجموع هذه الشروط ،وليس مطلقاً كما يزعم أهل الشبهات ، بل إن الشرعية عن النظام قد سقطت بمخالفاته التي لا يمكن احتمالها ولاتأويلها .