سلسلة تناقش الشرعية باجمالها وموقع ال سعود منها وترد على الشبه التي تثار في الدفاع عنهم وتناقش كذلك مفهوم الفتنة والمصلحة

تصحيح مفهوم المصلحة ومفهوم الفتنة

HTML clipboard
تصحيح مفهوم المصلحة ومفهوم الفتنة

قضية الفتنة و قضية المصلحة من القضايا التي يتلاعب بها النظام وعلمائه الذين لم يخلصوا لله سبحانه وتعالى –كما سيتيبن للقارىء المنصف- في خدمة هذا الدين ، بل أخلصوا للحاكم ووضعوا مراده قبل مراد الله سبحانه وتعالى، وعندهم استعداد لتزوير المصطلحات و المفاهيم وقلبها وجعل الحق باطلا والباطل حقا والعياذ بالله.
 

 ومن ضمن المصطلحات التي تم التلاعب بها مصطلحي الفتنة والمصلحة التي مُططت وغُيرت وحرفت عن معانيها ليستخدمها النظام في تثبيت أوهام الشرعية التي يحوكها حوله ويرهب أي محاولة  لكشف تلك الأوهام. ومع تلبيس علماء السلطان على الناس فقد زاد الأمر سوءا ترويج بعض العبارات الموهمة التي شاعت وحفظت بين الناس وجعلت في مقام النصوص القطعية بحيث تسند إليها الفتاوى وتبنى عليها المواقف،
 

مع أن بعض تلك العبارات لا  اصل لها أو أن أصلها شاذ أو منكر او قالها بعض المحسوبين على العلماء  واعيدت صياغتها من اجل ان تكون وسيلة لخدمة أغراض النظام.
 

 دعونا نبدأ باستعراض عام لمصطلح المصلحة و تعريفها وما قال العلماء حولها:
 


 

تعريف المصلحة


لم ترد كلمة المصلحة في الكتاب والسنة ولكن الفقهاء والأصوليين اصطلحوا على استخدامها ثم اجتهدوا في بيانها وضبطها حتى لا تنقلب الى اتباع للهوى والجهل. 
 

فالمصلحة اصطلاحا هي كل منفعة داخلة في مقاصد الشرع دون أن يكون لها شاهد بالاعتبار أو الإلغاء ، وتسمى أحياناً مصلحة مرسلة من الاعتبار بالالغاء، إذ لو وجد شاهد بالاعتبار فهي نص صريح وليست مصلحة ، ولو كانت منفعة فيما يبدو للعقل البشري ووجد لها شاهد بالالغاء فلا وزن لها في الشريعة
 


 

ضوابط المصالح وموازناتها وشروط اعتبارها شرعا


أولاً: اندراجها عموماً في مقاصد الشرع الخمس والمتمثلة في حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، بحيث يُشرع ما يحفظ هذه المقاصد، ويُمنع ما يتعارض معها.
 

ثانياً: عدم معارضتها للكتاب أو للسنة ،كما هو واضح من التعريف،ولأنه لا اجتهاد مع النص ،والمصلحة في اتباع الشرع نفسه
 

ثالثاً: عدم معارضتها للإجماع لأن الإجماع قطعي والمصلحة ظني
 

رابعاً: عدم معارضتها للقياس، لأن القياس على النص أقوى من المصلحة المرسلة
 

خامساً: عدم تفويتها مصلحة أهم منها فقد ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا تعارضت مصلحتان فإنّ الشّريعة تقدّم أقواهما وأولاهما بالاعتبار فمصلحة الأمّة مقدّمة على مصلحة الفرد ولو كان حاكماً
 


 

”درء المفاسد مقدم على جلب المصالح“


هذه من العبارات الرائجة بين الناس والتي أسيء فهمها واستعمالها وتلقفها النظام وأعوانه لتبرير وجوده أو للتخفيف من آثار عدم شرعيته ، وهي في الحقيقة دليل ضدهم، ولذلك فهم يستخدمونها دون أن يبسطوا الحديث فيها خوفا من أن يوازن الناس بين المفاسد والمصالح في حالة إزالة النظام وإنما يستعجلونه حتى لا يتعرف أحد على مفاسده ولا يتشوفون للخلاص منه
 

ويريدون من تكرار هذه العبارة أن يثبتوا في أذهان الناس أن بديل النظام لا محالة هو الفتنة التي لا تبقي ولا تذر، فيستكين الناس لهم ويستهجنون التفكير في شرعية النظام
 

وفي كل الأحوال ليست العبارة قاعدة شرعية ولا أساس استنباط ولكنها تندرج ضمن الشرط الخامس من شروط العمل بالمصلحة بحيث يجتهد العلماء في إجراء الموازنة الشرعية للمصالح. وهي عبارة لا تصلح أن تعارض الأدلة الشرعية، فضلاً عن أن ترجح عليها ولا يصح بناء الأحكام باستخدام هذه العبارة باطلاق لأن معناها نسبي لا ينضبط، بل يختلف باختلاف ظروف تطبيقها، وكما رأينا أن تقدير المصلحة هو تقدير شرعي فكذلك تقدير المفسدة شرعي ،لا يتم بمجرد التهويل أو الدعاية.
 


 

الفتنة


لفظة" الفتنة" موجودة في الكتاب والسنة بكثرة، ويمكن تتبعها وادراك معانيها من خلال كتب التفسير وشروح الحديث، و لا يجوز اختلاق معانى جديدة لها. وعملا بذلك سوف نتتبعها حسب القدرة لبيانها بعيدا عن المفاهيم التي يراد لنا ومنا أن نحصر فيها
 


 

تعريف الفتنة في اللغة


• قال الأزهري : جماع معنى الفتنة في كلام العرب : الابتلاء والامتحان  ( تهذيب اللغة 14 / 296 ) 
 

• قال ابن فارس :" الفاء والتاء والنون أصل صحيح يدل على الابتلاء والاختبار " (مقاييس اللغة 4 / 472 )
 

• قال ابن الأثير: الفتنة: الامتحان والاختبار( النهاية /410 )
 

• وبنحو من هذا قال ابن حجر في الفتح ( 13 /3 )
 

• وقد لخص ابن الأعرابي معاني الفتنة بقوله : " الفتنة الاختبار ، والفتنة : المحنة ، والفتنة : المال ، والفتنة: الأولاد، والفتنة الكفر، والفتنة اختلاف الناس بالآراء والفتنة الإحراق بالنار"(لسان العرب لابن منظور)
 


 

معاني لفظة "الفتنة" في القرآن


1- الابتلاء والاختبار: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) العنكبوت/2 أي عند الطبري وهم لا يبتلون.
 

2- الصد عن السبيل والرد: (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك) المائدة/49 قال القرطبي : معناه : يصدوك ويردوك
 

3- العذاب : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل:110) فتنوا : أي عذبوا
 

4- الشرك ،والكفر : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) البقرة/193 قال ابن كثير: أي شرك
 

5- الوقوع في المعاصي والنفاق : ( وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِي)الحديد/ 14 قال البغوي :أي أوقعتموها في النفاق وأهلكتموها باستعمال المعاصي والشهوات .
 

6- اشتباه الحق بالباطل: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) الأنفال/73، أي "إلا يوالى المؤمن من دون الكافر، وإن كان ذا رحم به ( تكن فتنة في الأرض) أي شبهة في الحق والباطل." جامع البيان بن جرير
 

7- الإضلال: ( ومن يرد الله فتنته ) المائدة/41، ”فإن معنى الفتنة هنا الإضلال“ البحر المحيط لأبي حيان ( 4 / 262 )
 

8- القتل والأسر : (وإن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) النساء / 101 . والمراد : حمل الكفار على المؤمنين وهم في صلاتهم ساجدون حتى يقتلوهم أو يأسروهم . كما عند ابن جرير
 

9-  اختلاف الناس وعدم اجتماع قلوبهم: (ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة) أي يوقعوا الخلاف بينكم كما في الكشاف للزمخشري ( 2 / 277 )
 

10 - الجنون : ( بأيِّكم المفتون ) .فالمفتون بمعنى المجنون
 

11- الإحراق بالنار : ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ) ( البروج :10 )
 

هذه معانيها في اللغة والشرع الحكيم وإذا أمعنا النظر فيها نجد ان معنىً واحداً فقط من هذه المعاني يقترب مما يقصده النظام والمنافحون عنه وليس نفس ما يقصدونه تماما وهو اختلاف الناس وعدم اجتماع قلوبهم، وهم ينتصرون لهذا المعنى بالأثر "الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها"، وهـو إما منكر أو أنه لا اصل له ، وفي الحالين لا يجوز الاحتجاج به مطلقا .
 

وسياق الآية الذي ورد فيه هذا المعنى (ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة) يحذر المسلمين في المدينة قبيل غزوة احد من المنافقين على المسلمين لأنهم يريدون اثارة الخلاف بين المسلمين. فكيف تحذف تلك المعاني أو تنسى عمداً ويقدم هذا المعنى على بقية المعاني التي سبق ذكرها؟
 


 

لفظة "الفتنة" في الحديث


هناك احاديث كثيرة وردت في الفتنة وهي في مجملها نوعان:
 

النوع الأول التعوذ من الفتنة كفتنة المسيح الدجال وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات,
 

والنوع الثاني الاخبار عن الفتن المستقبلية التي ستحصل.
 

 كيف نفهم تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الفتن؟ الجواب بأن نعرف كيف يُحمى المسلمون من هذا الاقتتال وكيف يجمعون على كلمة واحدة. ولذلك فحين قال الله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" لم يقل واعتصموا بحبل الحاكم او اعتصموا بحبل ابن سعود، وانما قال اعتصموا بحبل الله، فالاعتصام والاجتماع والالتفاف انما يكون حول حبل الله سبحانه وتعالى والتمسك بالكتاب والسنة والرجوع والعودة اليه والاحتكام الى هذا الحق..
 

 واذا اردنا ان نعرف ما سوف يحصل في المجتمع فعلينا مراجعة ما علمنا الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من سنن الله عز وجل وقوانينه في المجتمعات والدول. وهذه السنن الإلهية لا تتبدل ولا تتخلف ولاتتحول ولا تحابي ، فاذا اخذت الاسباب الفلانية اتيت بالنتائج الفلانية واذا اخذت الاحتياطات الفلانية حماك الله من النتائج الفلانية. وهذه السنن كلها تقول ان عاقبة السكوت عن الظلم والمنكر المجاهر به والمنتشر بين الناس وخيمة فهي تؤدي الى الهلاك والعقاب كما قال الله عزوجل (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) فهناك أشارة إلى السبب والنتيجة.
 

لكن السنن الربانية بطيئة تفاجئ أهل الغفلة الذين ينسونها ، سواء كان هذا العقاب الجماعي على شكل اقتتال او على شكل عذاب كوني كخسف او زلزال او غرق او غيره ، وقد نبه العلماء رحمهم الله إلي هذه السنن وأفرد العلامة ابن خلدون في مقدمته لذلك فصلا سماه الظلم مؤذن بخراب العمران
 

 فاذا اردت ان تتقي الفتن فعليك بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وعليك بالسعي للإصلاح وازالة الظلم والبطر والمنكر المجاهر به كما جاء في قوله تعالى (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) وكما جاء في قصة أصحاب السبت (فلما نسو ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون) وكما دل عليه حديث السفينة المشهور في البخاري (فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)وحديث "لتقصرنه على الحق قصرا ولتأطرنه على الحق اطرا او ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض"، ومن السنن الإلهية المذكورة في القرآن الكريم  ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
 

 فاذا اردنا ان نتفادى ضرب القلوب بعضها ببعض فعلينا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإذا أردنا السلامة من  العذاب الدنيوي فعلينا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،لا أن نصف محاولات الإصلاح بالفتنة,  وإليك قول ابن تيمية رحمه الله في تفسير قوله تعالى "ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني"لما كان في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من الابتلاء والمحن ما يعرض به المرء للفتنة صار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليه من ذلك بأنه يطلب السلامة من الفتنة, كما قال تعالى عن المنافقين: "ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني, ألا في الفتنة سقطوا" التوبة (49).. فكيف يطلب العاقل التخلص من فتنة صغيرة لم تصبه بوقوعه في فتنة عظيمة قد اصابته؟ .. فتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية: 166/28).